تعتبر ميلتون كينز بلدة ً كبيرة ً (على الرغم من أنها غالباً ما يشار إليها بأنها مدينة) في وسط إنجلترا يبلغ عدد سكانها حوالي 230,000 نسمة. تعتبر ميلتون كينز “بلدة جديدة” تم تطويرها في الستينيات وصممت لاستيعاب تدفق السكان المتزايد من مدينة لندن. منذ البداية تم تطويرها بالنظر إلى الاتصالات السلكية – حيث تم اتباع نمط الشبكة القائم على تقنيات تخطيط المدن الحديثة الأمريكية، وبدون نموذج “مركز المدينة” التقليدي الذي نشأت عليه البلدات والمدن الإنجليزية التقليدية. كانت الفكرة الأساسية أن الاتصالات السلكية ستقضي على الحاجة لتنقل المواطنين بأعداد كبيرة من وإلى مراكز المدن للعمل، حيث يتم تجميع الأعمال التجارية قبل العودة إلى الضواحي في المساء. كانت الهواتف تعني أن الشركات يمكنها القيام بأعمالها دون الحاجة إلى الاجتماع وجها ً لوجه في السوق المحلية. وقد أدى ذلك إلى ظهور مواقع التخزين خارج المدينة ومواقع الخدمات اللوجستية على الأراضي الأرخص سعرا ً وغير المطورة والتي تحظى بوصول جيد إلى البنية التحتية للنقل مثل الطرق السريعة وغيرها.
في أوائل الألفية الثالثة، كانت هذه الفكرة لا تزال تتطور، وقد أدى التوسع السريع للاتصالات والإنترنت إلى ظهور مفهوم “المدينة الذكية”. ينطوي ذلك على تطبيق التقنية، بما في ذلك مبادئ تقنية المعلومات والبيانات الضخمة، على كل جانب من جوانب الحياة الحضرية، بدءا ً من إدارة النفايات إلى وسائل النقل العام، بهدف تحسين جودة الحياة للسكان الذين يعيشون في تلك المدينة.
بفضل ارتباطاتها الكبيرة بالمدن الكبرى الأخرى مثل لندن وبرمنغهام، كبرت مدينة ميلتون كينز في تلك الفترة لتصبح مركزا ً تقنيا ً، حيث تتمتع بسكان من جيل الشباب ولديهم ميول تقنية. وهذا يعني أنها كانت خيارا ً طبيعيا ً لمشروع مدينة ذكية في المملكة المتحدة.
لهذا الغرض، تقدم مجلس المدينة بطلب للحصول على منحة مالية قدرها 16 مليون جنيه استرليني من الحكومة وشركة BT، بهدف تحفيز تطوير مشاريع البنية التحتية للمدينة الذكية في ميلتون كينز.
ما هي المشاكل التي ساعدت البيانات الضخمة في حلها
وفقًا لتوقعات النمو للمدن الأخرى في المملكة المتحدة وحول العالم، من المتوقع أن يستمر تزايد سكان مدينة ميلتون كينز بسرعة في السنوات القادمة. تشير التقديرات إلى أن حوالي 50,000 شخص آخر سيجعلونها مسكنا ً لهم بعد عشر سنوات من الآن، مما سيزيد من عدد السكان إلى حوالي 350,000 نسمة.
ستواجه البنية التحتية الحالية صعوبات كبيرة في التعامل مع هذا التزايد السكاني. تعرض الطرق لخطر الازدحام، وتكون مرافق النقل العام الحالية غير كافية، وجودة الهواء ستتدهور، ومرافق التخلص من النفايات ستفيض، والمدارس ستكون مكتظة بالطلاب. وسيؤدي كل ذلك حتما ً إلى تراجع كبير في جودة حياة سكان المدينة.
بالإضافة إلى ذلك، ارتأت جميع المدن في المملكة المتحدة وكثير من بلدان العالم المتقدمة الحد من كمية انبعاثات الكربون المُطلَقة في الهواء، من أجل التخفيف من آثار التغير المناخي.
كيف استخدمت البيانات الضخمة عمليا ً
تزامنا ً مع ذلك، قبل ثلاث سنوات تقريباً، أدرك مجلس ميلتون كينز قيمة النهج المبني على البيانات في تخطيط البنية التحتية للمدينة وتقديم الخدمات ولكنه لم يكن يملك المهارات اللازمة داخلياً لتنفيذ هذه التقنيات. فلجأوا إلى المجتمع التجاري للحصول على المساعدة وبعد إنشاء سلسلة من اللقاءات وورش العمل لمناقشة الخيارات الممكنة للمستقبل، بدأوا بالعمل مع العديد من الشركاء لتطوير رؤية “ميلتون كينز المدينة الذكية”.
واحدة من المبادرات الرئيسية، التي تم تطويرها بمساعدة جامعة أوبن وشركة بي تي، هي “MK: سمارت”، حيث ستعمل كمحور بيانات لجميع المشاريع الأخرى في المدينة حيث يمكن تقييم فعاليتها وتأثيرها.
تم اقتراح حلول تتبنى تقنيات “إنترنت الأشياء” للنقل وكفاءة الطاقة وتخطيط إمدادات المياه ونمو المشروعات وتوفير التعليم. سيتم تركيب أجهزة استشعار في مرافق التخلص من النفايات، مما يعني أن عملية تفريغها بواسطة الشاحنات يمكن أن تصبح أكثر كفاءة. سيتم أيضا ً مراقبة حركة المرور والمشاة في الأماكن العامة من أجل التخطيط لمسارات وسائل النقل العام، وكذلك بنية ممرات المشاة ومسارات الدراجات.
العديد من المشاريع قيد التنفيذ، حيث يشارك عدد من المنازل في تجارب للأجهزة المنزلية لتوفير الطاقة والعدادات الذكية بالتعاون مع مزود الطاقة E.ON. تم تزويد عائلات أخرى بسيارات كهربائية مجانا ً لإجراء دراسة جدوى لمدة عام على تلك التقنيات. وفي المستقبل القريب، ستشهد المدينة أول تجارب للسيارات ذاتية القيادة في شبكتها المشابهة للشبكة المكونة من الدوارات.
أحدث مبادرة هي CAPE، حيث يتم استخدام الصور الفضائية والبيانات عن تسرب الحرارة من المنازل؛ بهدف مساعدة المواطنين في إدارة برامج الطاقة المجتمعية الخاصة بهم وتقليل بصمتهم الكربونية في النهاية. ستكمل الصور الفضائية البيانات الأخرى المتعلقة بالمباني والطاقة لتحديد الأحياء التي يمكن أن تستفيد من تحسين الطاقة. إنها أولى تجاربها في المملكة المتحدة وأحدث إضافة إلى برنامج “MK: سمارت”.
ما هي أبرز النتائج حتى الآن
على الرغم من أن المشروع في مراحله المبكرة، إلا أن مجلس ميلتون كينز يعمل بالفعل مع أكثر من 40 شريكا ً في مشاريع في جميع أنحاء المدينة. يقول جيف سنيلسون، مدير الاستراتيجية في المجلس، إن النظرية والتكنولوجيا قد ثبتت فعاليتها وأن التركيز الآن هو على تطوير أعمال مستدامة لتطوير وتقديم الخدمات.
يقول: “على المستوى الدولي، هناك نقص حقيقي في الأدلة القوية حول الفوائد التي تجلبها هذه التقنيات، ونحن نحاول تصحيح ذلك. لدينا الكثير من التمويل للبحث والتطوير، ولكننا الآن نتحرك إلى المرحلة التي ندفع فيها نحو تطوير نماذج تجارية حقيقية.
“الكثير من هذه الحلول يتعلق بتحقيق الكفاءة من خلال جمع معلومات أفضل – أكثر دقة وفي الوقت المناسب. إنها ليست سحراً – إنما بيانات بشكل أفضل. الأمر لم يعد يتعلق حقاً بإثبات أن التقنية تعمل. إنه يتعلق بإثبات أنها تعمل بطريقة مستدامة في بيئة حضرية حقيقية.”
ما هي البيانات المستخدمة
يتم استخدام صور فضائية تم وضعها فوق بيانات الإرشادات التخطيطية لمراقبة نمو “الانتشار الحضري” وضمان أن تطوير البناء يتم وفقاً للإستراتيجية واللوائح.
يتم جمع البيانات من أكثر من 80 موقعا ً للتخلص من النفايات تابعة للمجلس، للتأكد من أنها تُفرغ بالطريقة الأمثل – مما يقلل من الرحلات الضائعة والانبعاثات التي تزيد من ثاني أكسيد الكربون.
تراقب أجهزة الاستشعار تدفق حركة المرور على الطرق في المدينة، والتي تُستخدم لتنبيه السائقين إلى حالات الازدحام والتخطيط لتطوير البنية التحتية في المستقبل.
تقوم تقنيات الإضاءة الذكية للشوارع بجمع البيانات حول متى وأين يتحرك الناس في فترة الليل، لضمان الإنارة عندما تكون ضرورية للسلامة وتوفير الطاقة في الأوقات الأقل طلبا ً.
تجمع البيانات حول استخدام المياه والطاقة لفهم الطلب بشكل أفضل وللمساعدة في التخطيط للإمداد.
أيضا ً، يتم تحليل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في المدينة لمعرفة الاستجابة تجاه المشاريع المستخدمة والتي تم تطويرها. بالإضافة إلى ذلك، يتم مراقبة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في مناطق أخرى، لمقارنة مدى تواصل السلطات المدنية مع المواطنين مقارنة بمدى تواصلها في مدن أخرى حول المملكة المتحدة.
ما هي أبرز التفاصيل التقنية
توفر منصة تحليلية مصممة بواسطة شركة تيك ماهيندرا الهندية، والتي تمتلك مكتبا ً في المدينة، جزءا ً كبيرا ً من بنية معالجة البيانات لبرنامج MK”سمارت”
تعتمد منصة تحليلات تيك ماهيندرا على تقنية هادوب. كما يتم استخدام العديد من التقنيات الأخرى مفتوحة المصدر ، بما في ذلك Sqoop و Flume وSpark و Oozie و Mahout و Hive بشكل واسع. عادةً ما تشمل حالات الاستخدام الحالية حوالي 600 غيغابايت إلى 1 تيرابايت من البيانات، مع عدد من الاستعلامات اليومية تصل إلى مئات الآلاف. ومع ذلك، تم تصميم النظام للتعامل مع حالات استخدام أكبر بكثير قد تظهر في المستقبل القريب.
ما هي أبرز التحديات
نظرا ً لنقص المعرفة المتخصصة بالتقنية وتحليل البيانات داخل المجلس، تم تطوير شراكات مع منظمات أخرى.
أحد الشركاء الذين يلعبون دورا ً رئيسيا ً في تطوير “ميلتون كينز المدينة الذكية” هو تك ماهيندرا المذكورة أعلاه، التي لها وجود في ميلتون كينز منذ بداية القرن الحالي.
يقول نائب رئيس تحول عمليات الشركة على المستوى العالمي، أوبندرا دارمادكاري: “كنا نقوم بإدارة الاستجابة للطوارئ في الهند، حيث يوجد عشرة أضعاف السكان، وفكرنا ‘لماذا لا نطبق بعض التقنيات هنا؟’
“لدينا مناقشات متكررة مع المجلس وعلاقة عمل جيدة. أعتقد أن المجلس هو واحد من القلائل في المملكة المتحدة الذي يتمتع بالكفاءة بما يكفي للتفكير في هذه الأفكار الإبتكارية وتنفيذها.”
كان هنا قلقا ً آخر محتملا ً وهو ردة فعل الجمهور تجاه توغل التكنولوجيا في حياتهم اليومية، لا سيما العناصر مثل السيارات ذاتية القيادة، التي على الرغم من أنها أكثر أمانا ً بكثير من السيارات التي يتحكم بها الإنسان، إلا أنها لم تختبر بشكل كبير.
يقول جيف سنيلسون: “إنها بحاجة إلى أن تُقدم بحذر تام. بالطبع، هناك اعتبارات لنواحي السلامة والأمان – لكن في ميلتون كينز الناس بشكل عام متحمسين لذلك – بل أنهم يفخرون به.
“هناك شهية كبيرة للأشياء التي تجعل ميلتون كينز مكانا ً مثيرا ً ومثيرا ً للاهتمام.”
ما هي الدروس المستفادة
تزايد سكان المدن حول العالم بشكل متسارع – سيجعل من التقنيات الذكية والمتصلة بالإنترنت من الأشياء الضرورية الآن وفي المستقبل للسماح بتطوير البنية التحتية.
تمتلك تقنيات إنترنت الأشياء والمدينة الذكية القدرة على تحسين الكفاءة بشكل كبير في تقديم الخدمات العامة وجعل المدن أكثر ملاءمة للعيش والمساهمة برفع جودة الحياة بها.
على الرغم من أن الاستثمار في هذه المجالات يجب أن يكون له قاعدة أعمال مثبتة، نظرا ً لأن ميزانيات التمويل محدودة، وخاصة في أوقات الركود الاقتصادي، قد يوفر “التفكير الذكي” حول تطوير البنية التحتية، مع تكبد تكاليف قصيرة الأجل، توفيرا ً كبيرا ً على المدى الطويل.